الخميس، 22 ديسمبر 2016

ماذا بعد معركة الموصل ؟


بقلم سرمد الطائي:

لن تكون مجرد "أكبر معركة" يخوضها العراقيون ضد الإرهاب منذ سقوط صدام حسين، لأن الموصل هي أشد اختبار تعرض له هذا النظام الدستوري المضطرب، ولكن الشرعي الذي يحظى بدعم القوى الكبرى في العالم.


وبعد أن تدرب الشباب باحتراف مشهود في المعارك السابقة، لم نعد نخشى أن يتلقوا هزيمة أمام داعش الذي تكسرت دفاعاته وحيله الغريبة في عشرات المدن، ومع هذه الروح الجديدة التي تنبعث في القوات العراقية ومعظم الأطراف المسلحة الساندة.

لكن البلاد أمام معركة أكبر من السلاح. ونحتاج "روحاً جديدة" تنبعث في أروقة السياسة الجامدة تقريباً، مثل النشوة التي انبعثت بين صفوف المقاتلين الأبطال وهم أحلى الشباب الذين نخسر كل يوم كوكبة مضحية منهم، من كل المكونات العراقية.

النظام السياسي في العراق حاول إعادة بناء نفسه مرات عدة، أبرزها في صفقة تمرير حكومة نوري المالكي الثانية ضمن اتفاقية أربيل عام 2010، ثم في محاولة استجواب نوري المالكي عام 2012، ثم في تشكيل حكومة حيدر العبادي 2014. لكن الاتفاقات بقيت في الغالب حبرا على ورق. والأمر مخيب لأن جملة "إعادة التأسيس" تساوي "إنقاذ الشرعية الواقعية" التي يؤمن بها معظم أبناء الشعب. وبدون أن نمتلك شرعية بهذا الحجم سنظل نستخدم شرعية الحد الأدنى، التي تفهمها الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، غير أنها لن تحقق الاستقرار.

وفي معركة الموصل لدينا يوم فاصل حين يختفي داعش من محافظة نينوى، حيث سنكون أمام أسئلة الحكم والأمن والقيادة داخل هذا المجتمع المتنوع. ولم تطرح بغداد حتى الآن تصوراً جديداً حول مستقبل الحكم والقيادة والأمن في تلك اللحظة.

وإذا لم يكن هناك تصور جديد فإننا سنكون نزفنا دماءً كثيرة مقابل سياسة قليلة محدودة وعاجزة، أخطر ما فيها أنها تهدر كل التضحيات، لأننا في هذه الحالة مرشحون لتكرار الأخطاء ذاتها. وعلينا أن نستعد لتقبل نتائج مشابهة، في مجتمع غاضب من عدم حصول إصلاح إداري وسياسي، وتكرار الأساليب القديمة في قمع الغضب والاحتجاج، وضياع البوصلة في إدارة الصراع الإنساني الطبيعي داخل المجتمعات الكبيرة. وهذه ظروف قد تنتج رد فعل معترض في بحر سنة أو اثنتين. وهذا غضب ستستغله التنظيمات الإرهابية ذاتها لصناعة "داعش جديد".

وستبدو هذه الفرضية مكررة كثيرا، على لسان الأميركيين والأوروبيين وبعض المسلمين، وأيضا على لسان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي نفسه وفي مواقف حلفائه المعتدلين. لكن الجديد أننا قدمنا تضحيات كثيرة من أجل "تصحيح الأوضاع" في المناطق المضطربة. وإذا لم نقم بهذا التصحيح الآن فإننا سنخون كل الدماء والتضحيات الكبيرة التي أريقت بأمل "إصلاح النظام".

وفي لحظة الفرح بتفوق قواتنا العراقية وكل من يساندها وطنياً ودولياً، ينبعث القلق من عدم وجود حوار عراقي راسخ حول فرصة "التأسيس الجديد للنظام السياسي" لتغيير نهج الإدارة والحكم، وتطبيق دستورنا بروحه اللامركزية، بنحو يضمن لأهل نينوى أن يتولوا أمورهم بأنفسهم وبمساعدة أكيدة وعميقة من بغداد، بوصفها روح العراق. وهذا أمر لا يقبل التسويف لأنه سيرسل رسالة ضمان وطمأنينة سياسية قوية لأهل نينوى، ومعهم أهالي كل المدن المحررة من داعش.

لكن غياب هذا الجدل عن نقاشاتنا السياسية سيجعلنا نظهر أمام العالم على شكل أمة لا تعبأ بتضحيات أبنائها، ولا بأهمية هذا الدعم الدولي الكبير للمعركة. وأول ما نريد أن نشاهده ويشاهده العالم معنا هو حوار كبير بين مراكز القوى الفاعلة في "مناطق النزاع" والعاصمة بغداد. ومن شأن هذا أن يصبح "عملية سياسية جديدة" تتحكم حتى في التدخلات الإقليمية والدولية، وتجعلنا كنظام، بمستوى تضحيات أحلى الشباب العراقيين في الجبهات، لأن البنادق وحدها لم تنجح في صوغ استقرار اجتماعي طوال خمسين عاما من الاحتراب العراقي الداخلي حول معنى "العراق".

نبذة عن الكاتب: سرمد الطائي، كاتب عراقي من مواليد البصرة، خريج المركز الدولي للدراسات الاسلامية في ايران – قم. كاتب وصحفي منذ عام 1997، عمل في قناة الحرة عراق في بغداد من 2004 إلى عام 2007. معلق سياسي وكاتب عمود “عالم آخر” في جريدة المدى.
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق