الخميس، 22 ديسمبر 2016

الحرب الحديثة

حسام محمد:

منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض ومنذ أن قتل قابيلُ هابيلَ وسال الدم عليها، عُرفت الحروب بأنها أسوأ مفهوم تعيشه البشرية حيث مر بمراحل عديدة.

ففي عصر الإنسان القديم كانت الحروب على صغرها تدار من قبل عدة أشخاص. وتستخدم فيها أسلحة بدائية، مثل السكين والفأس والمادة المستخدمة في صنع هذه الأسلحة كلها تقريبا هي الحجر، وبالخصوص حجر الصوان الشديد الصلابة، حيث كان هو المتوفر الوحيد في ذلك العصر البدائي.

وبعد هذه المرحلة من الحروب البدائية، أخذت الأسلحة بتطور ملحوظ عبر الأزمنة من السكاكين والفؤوس إلى الحرب الإلكترونية والتي تدار من أزرار في كيبورد الكومبيوتر. وهي ما تعرف اليوم (بالحرب التكنولوجية) أو (حرب الأزرار الرقمية).

طبعا لست بصدد شرح آلية عمل الإنترنت وكيفية الإرسال والاستقبال ولغات البرمجة بقدر ما يهمني منها تلك الوسائل الحديثة التي دخلت ضمن أنواع الصراعات الحروب، وصارت تعتبر في عصرنا هذا من أشد وأخطر انواع الحروب، والتي يجب مواكبتها. فما يُعرف اليوم بالهجمات الإلكترونية التي تشنها دول على دول أخرى تركت أثرا سيئا أطاح ببعض اقتصاداتها وكشف خططها العسكرية ومنظوماتها الدفاعية. ويـشن هذه الهجمات جيش إلكتروني مدرب بشكل كبير جدا يعرف بـ (الهاكرز) أو (القراصنة) أي المخترق لأجهزة الحاسوب المرتبط بشبكة الأنترنت. ويمكن أن يكونوا عدة اشخاص وليس شخصا واحدا.

وتوظف بعض الدول جيشاً إلكترونياً منظما يتم تدريبه بشكل دقيق على نفقتها وعلى مستوى عال جدا لخوض إما معارك وحروب إلكترونية ممنهجة ومدروسة، أو هجومية أو دفاعية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية. ومن الأمثلة القريبة لتلك الحروب هي الهجمة الإلكترونية التي قامت بها كوريا الشمالية مؤخرا على الجارة الجنوبية. وحسب التقارير، اخترقت كوريا الشمالية أكثر من 140 ألف جهاز كمبيوتر في شركات كبيرة ووكالات حكومية كورية جنوبية وزرعت شفرات خبيثة قبل أن يتم اكتشاف الأمر.

وقالت وكالة أنباء كورية جنوبية نقلا عن الشرطة إن عملية التسلل بدأت من عنوان في شبكة الانترنت (آي بي) تم تعقبه إلى العاصمة الكورية الشمالية واستهدف برنامجا تستخدمه نحو 160 شركة ووكالة حكومية لإدارة شبكاتها على الكمبيوتر. الأمر الذي دعا كوريا الجنوبية إلى إعلان حالة التأهب القصوى خوفا من شن هجمات إلكترونية مشابهة قد تقوم بها الشمالية مرة أخرى .

الحروب الإلكترونية اليوم أصبحت تشكل خطرا كبيرا على الدول المتقدمة، وخاصة الدول التي تمتلك برامج نووية. وتكمن خطورة الهجوم بسرقة الشفرة المتحكمة في البرنامج النووي المعتمد في الطاقة النووية أو التحكم بالبرنامج عن بعد. ولكن كل دول العالم تستعين بخبراء (هاكرز)، وهم الجانب الإيجابي بعكس (الكراكر) وهم الجانب السلبي والذي يهتم بزرع الفايروسات والشفرات المعقدة للتنصت والتجسس واختراق الحسابات البنكية والمصرفية.

كما أن الولايات المتحدة الاميركية ولأول مرة تعلن الحرب الإلكترونية على الإرهاب المتمثل حاليا بداعش. وتستخدم أميركا ترسانتها الرقمية لإضعاف اتصالات داعش بين قياداته والمسلحين لتقليل موارده الاقتصادية. حيث صرح وزير الدفاع، آشتون كارتر، أنه أعطى أوامره بعد دراسة مستفيضة لشن هجمات رقمية على مواقع داعش لشل حركته، كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى أبدت استعدادها للتعاون مع الحملة لغلق حسابات تنتمي لداعش أو يشك بأنها على صلة بتنظيمات إرهابية فاعلة.

كما يجب علينا أن ننتبه جيداً إلى أن الحرب الإلكترونية تعتبر خاسرة إذا ما تم الاعتماد على أشخاص لا يتمتعون بالقدر الكافي من الإمكانية المعرفية بأنظمة لغات البرمجة. فإن أي خلل بسيط يمكن أن يوقع منظومة بلد كامل في قبضة قراصنة محترفين والتوغل من خلاله إلى عمق النظام الإلكتروني العام في أي بلد، وهو ما يسمى بــ (الثغرات الأمنية). ولذلك يجب على الحكومة العراقية كباقي دول العالم أن تجند جيشاً إلكترونياً منظماً لمواجهة الهجمات الإلكترونية وصدها أو الاشتراك بهجمات استباقية لكشف خطط العدو وشل حركته.

عن الكاتب: حسام محمد، مدون وصحافي عراقي، كتب في عدة مواقع إلكترونية عراقية وعربية. له مدونة "الكلمة المسجونة".
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق