الخميس، 22 ديسمبر 2016

التعصب الديني عند العرب


إسماعيل الهدار:

يعد التعصب الديني أحد تجليات التعصب الفكري الذي يهدد استقرار وأمن المجتمعات العربية. فقد أضحى الرمز الديني مجالا فاعلا لتجسيد دلالات العنف والصراع بين مختلف شرائح المجتمع الأمر الذي جعل منه أداة لتغييب الفعل التواصلي.

كما أن الحضور المجحف لظاهرة التعصب الديني أدى لنفي حرية المعتقد، رغم تكريسها في جل الدساتير. فقد أضحت هذه الحريات الفردية حبرا على ورق، باعتبار أن حسن تطبيقها يعتمد على الوعي الجماعي للمجتمع، بمعنى ممارسة حرية الضمير في كنف الاحترام المتبادل.

إن تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية يجذر النزعة الإقصائية التي تحمل في طياتها مفهوم الإرهاب الفكري، الذي لا يعتد بحرية التعبير والرأي المخالف وإنما يستعمل العنف عوضا عن الحوار للإقناع مما يؤسس للنزعة الإقصائية بما هو ترسيخ لمعاني الإطلاقية والنموذجية، أي الإقرار بتفاضلية الدين الواحد.

وضمن هذا السياق، فإن الفكر الدوغمائي يقوم بالأساس على تبني الأحكام المسبقة والرأي السائد، مما يؤدي إلى تغييب الفكر العقلاني والمنطقي وإعمال العقل. الأمر الذي يجعل من الحوار عقيما.

ويعود تفشي ظاهرة التعصب الديني إلى دور الخطاب الديني الذي تميز في الآونة الأخيرة بنزعته العدوانية، والذي يتعارض كليا مع ماهيّة ما هو ديني. فقد ساهمت الخطابات الدينية في ترسيخ دلالات التعصب والدوغمائية من خلال نفي معاني التسامح واحترام الآخر والتعاون وغيرها من القيم الإنسانية.

وستتعمق هذه الدلالة المنحرفة لما هو ديني من خلال التأسيس للصراعات المذهبية وتفشي ظاهرة الحروب الدينية، بما يؤدي لاغتراب ماهية الإنسان وتدمير استراتيجيا التواصل.

كما أن التعصب الديني من شأنه أن يرسخ القطيعة بين مختلف الأديان من جهة وبين الأفراد من جهة أخرى. الأمر الذي يجعل من التعايش أمرا محالا.

ويجدر بنا التساؤل هنا: إلى أي مدى يمكن للكائن البشري التعايش مع ظاهرة التعصب الديني، في حين أن هذه الأخيرة تمثل تهديدا حقيقيا لاستمراريته؟ ألا يشكل التعايش بينهما مجالا لبلورة معطى التناقض؟ إلى أي مدى يمكن للمجتمعات العربية ضمان استقرارها في ظل تفشي ظاهرة التعصب الديني؟ ألم يحن الوقت بعد لمحاربة هذه الظاهرة من خلال ترسيخ الوعي الجماعي؟ أليس من الأجدر السعي نحو إرساء خطابات عقلانية تهدف لعلاج الفكر الدوغمائي؟ ألا يشكل الفكر الأداة الوحيدة والناجعة لنفي دلالات التعصب؟ لم لا تتحلى المجتمعات العربية بفكر عقلاني، نقدي وبناء حتى تتمكن من التخلص من كل أشكال التعصب؟ أليس الإنسان كائنا مفكرا بطبعيه؟ فلماذا هذا الغياب المجحف لحجة العقل والتفكير؟

وعليه، فإن من الضروري إعمال ملكة التفكير والتأسيس لفكر موضوعي، الغاية منه تدعيم الفعل التواصلي بين الأفراد بما هو العنصر الرئيسي المكوّن للصرح الاجتماعي. كما أن استئصال التعصب الديني يكمن في تطوير المجتمعات العربية على جميع الأصعدة والمجالات الحيوية.

عن الكاتب: إسماعيل الهدار، باحث في القانون العام، كلية الحقوق بصفاقس، تونس.
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق