الخميس، 22 ديسمبر 2016

الشرق الأوسط الجديد

بقلم جان صالح:

لو كُتب للبريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو فرصة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، لما فعلا ذلك. فالشرق نفسه دخل في هذه المهمّة، عبر الصراعات التي قوّت قوى التطرف والإرهاب، فظهر داعش ليحطم الحدود المُصطنعة بين العراق وسورية، ويتمدد نحو ليبيا واليمن ومصر، وإعلان "دولة الخلافة الإسلامية"!

هذا الشرق الجديد بات بيئة مُنقسمة، وأصبح ناضجاً بما فيه من الكفاية أن ينقسم لدول جديدة! فسايكس بيكو لم يُنفّذ تماماً، حسب السفير الأميركي السابق ألبرتو فرنانديز، نائب رئيس مركز الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية (ميمري):

"سايكس بيكو لم يُنفذ أبداً بالكامل. فقد أصبح كقميص عثمان لمجموعة من النقاد، فهناك مشاكل كثيرة في المنطقة وهي الديكتاتورية، والقمع، والتطرف، والفساد، وليس هناك أي شيء يمكن عمله تجاهها، أعتقد أن الحدود الرسمية الحالية ستكون أطول أمداً كما يظن الكثير من الناس".

سورية والعراق تعيشان التفكك السياسي والجغرافي والمذهبي وحتى القومي. هذه الحالة وصفها الصحافي ديفيد إغناشيوس بإرث سايكس بيكو، في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست في 3 أيار/مايو 2016، باحثاً عن آلية لإعادة تجميع أجزاء الشرق الأوسط الهش المُفكك "العراق وسورية يتمزقان: فالعراق مقسم عملياً إلى ثلاث مناطق متحاربة؛ منطقة سنية تحكمها مجموعة "الدولة الإسلامية"، ودويلة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتي، ومنطقة في جنوب العاصمة يسيطر عليها النظام الذي يقوده الشيعة. وثمة هيكل مُمزق على نحو مماثل في سورية. وقد اختفت الحكومة المركزية في كلا البلدين".

هذا الشرق المُنهار لم يعد مؤهلاً للعلاج، ولن تستطيع واشنطن وأوروبا وقف نزيف الحروب والإرهاب الديني. لكن إغناشيوس يدعو أميركا أن تلعب دور المُنقذ "ابدأوا في إرساء الأسس لنظام جديد في الشرق الأوسط، والذي يمكن أن يوفر أمناً وحكماً ورفاهاً اقتصادياً أفضل للسنة والشيعة والكرد، وللأقليات الأصغر المنضفرة في نسيج المنطقة. ساعدوا شعوب هذه المنطقة المحطمة على بناء وإدامة هياكل الحكم التي يمكن أن تكون عاملة. سوف يكون إصلاح الشرق الأوسط الممزق عمل جيل كامل بالتأكيد. لكن الوقت حان لكي تشرع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والسعودية وإيران في التفكير بشكل عاجل مع شعوب سورية والعراق حول البنى الجديدة التي يمكن أن تتمكن أخيراً من معالجة الأخطاء والمظالم التي وقعت قبل قرن من الزمن".

هنا ما مصير الأقليات القومية والدينية بعد أن خذلهم سايكس- بيكو، وباتوا ضحايا الأمس واليوم بفعل حكومات مُستبدة، ومنظومات إسلامية متطرفة، تمارس تطهيراً عرقياً بحقهم، وتسبي نساءهم، وتدمر كنائسهم ومعتقداتهم!

يرى فرنانديز "منطقياً هذا يعني تقسيم سوريا على الأرجح" في المنطقة الساحلية وجبل الدروز "لحماية العلويين، المسيحيين، الدروز. تقسيم مشابه يمكن أن يحمي الأكراد والمسيحيين في شمال شرق سورية، في حين هذا الأمر يبدو منطقياً على الورق، ولكن لا أعتقد أن هذا يمكن تطبيقه في الواقع، لأن السنّة لن يسمحوا بذلك. القضية الأهم التي لم تحل بالطبع هي (كردستان المستقلة)، والتي يجب أن يكون لها الأولوية في أي تسوية مستقبلية. أرى أنه من الصعب القيام به ،وخاصة كردستان العراق بسبب معارضة تركيا وإيران الشديدة".

شرق أوسط جديد يقسّم نفسه بنفسه، عبر حروب بالوكالة عن طهران وأنقرة والرياض، كمخاضات عن مشروع الهلال الشيعي، وصراعه مع النفوذ السُنّي، والذي سيدفع بالمزيد من الطائفية، وعدم إمكانية العيش المشترك، وبالنتيجة قد تنشأ دولة شيعية، أو دويلات سُنّية، والتي يرى المراقبون أنها قد تصل إلى 14 دولة جديدة في الشرق الأوسط. يُعلّق فرنانديز على ذلك:

" أيّ دولة شيعية ستكون تحت نفوذ إيران ،على الأقل في البداية. إن تشكيل جزء من دولة عربية سُنّية من بقايا سورية والعراق سوف يكون مشكلة، حتى لو لم يسيطر عليها الجهاديون، كما ستسعى دائما للانتقام والاستيلاء على الأراضي المفقودة، مثلاً حين نرى بعض المسلمين يتحدثون عن الأندلس، ولكن بدرجة أكثر".

مائة عام على سايكس وبيكو، والحروب والدماء لم تتوقف، قد يكون ذلك لعنة تاريخية، لكن الشعوب في الشرق لا تتعلم أبداً. فالتقسيم البريطاني والفرنسي كان يدرك أن هذه المنطقة المثيرة في العالم لن تهدأ أبداً، وستبقى غير مُستقرة.

عن الكاتب: جان صالح، كاتب وصحافي سوري متخصص في شؤون الشرق الأوسط والقضية الكردية والأقليات. حائز على إجازة في الحقوق من جامعة حلب" قانون دولي ودبلوماسية عامة". يعمل مساعد معد برامج في قناة الحرة بواشنطن.
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق