الخميس، 22 ديسمبر 2016

ثقافة الموت


كشفت الأخبار مؤخرا عن زيادة في إقحام الأطفال في سوق الإرهاب والعمليات الانتحارية، فقد أعلنت السلطات التركية أن الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصاً في غازي عنتاب تمّ على يد طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره.

وفي العراق، تم القبض على طفل يبلغ الثانية عشر يرتدي حزاما ناسفا قبل أن يفجر نفسه في حسينية في مدينة كركوك. أما في سورية فقد قام ثلة من الأطفال بإعدام أسرى لدى داعش بكل جبروت وقسوة قلما تجدها عند من هم في عمرهم.

أي حقد وبشاعة وعفن استولوا على عقول هـؤلاء الأطفال ليسهل عليهم أن يلفوا أجسادهم الصغيرة بأحزمة ناسفة ليقتلوا من يختلف عنهم؟! ماذا قيل لهؤلاء الصغار وكيف تم إقناعهم أن ما يقومون به خير وجزاؤه عند الله كبير؟ كيف يستطيع طفل لم يتجاوز العاشرة أن يقتل إنسانا بقلب بارد من دون أن تهتز له شعرة؟

لا أعتقد أنه مر علينا زمن أبشع وأقذر وأكثر دموية مما نحن عليه الآن. في سورية واليمن والعراق وليبيا وغيرهم، يتفنن كثيرون في إبادة بعضهم البعض من كل المذاهب والمِلل، غارقين في حرب طائفية ستأكل الأخضر واليابس وستبتلعنا معها. فقد نجح رجال الدين المتطرفون من كل جهة في تأليب وتجييش فئة على أخرى، بعد أن نصبوا أنفسهم حاكمين باسم الله، وزرعوا الحقد والكره وثقافة الموت في قلوب الصغار قبل الكبار، مستفيدين من أرض وجدوها خصبة بالجهل والتخلف ليبذروا فيها بذور طائفيتهم وبشاعتهم. يشحنون الصغار والشباب طائفيا ويزينون لهم الجنة ثوابا لجرمهم ويملؤون أرواحهم بكره الآخر لا لسبب إلا لكونه يختلف عنهم بطريقة صلاته.

يتساءل البعض: كيف استطاع أولئك السيطرة على عقول الناس بهذه الطريقة؟ كيف أقنعوهم أن الارهاب والذبح والدم سبيلٌ للجنة؟ كيف شغلوا الناس بترهيبهم من الغزو الفكري الخارجي، متغافلين عن الغزو الداخلي الذي جعل من أطفالنا مجرمين؟

علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونواجه واقعنا المزري، وأن نتوقف عن تعليق مصائبنا على شماعات مختلفة، تارة هي مؤامرة كونية، وتارة هي إيرانية. هؤلاء المجرمون لم يخلقوا من العدم ولم يأتونا على مركبات فضائية. هؤلاء منا وفينا. شربوا ثقافة الموت عبر تعاليم (مزورة) للدين، عبثت بعقولهم فاستسهلوا الموت طمعا في 72 حورية في الجنة مقابل دم إنسان بريء.

لا فرصة أمامنا للنجاة من المستنقع الآسن سوى بتصحيح الخطاب الديني ونفض الغبار عن التعاليم المغلوطة التي دأب المتشددون على زرعها زورا في عقولنا، وسن قوانين صارمة قاسية ضد التصرفات واللغة الطائفية. ثم علينا تحييد رجال الدين وإعادتهم إلى مساجدهم. فلا سبيل لحماية الدين والبشر إلا بتطبيق العلمانية عبر فصل الدين عن الدولة، ورفض تدخل رجال الدين في الأمور التي لا تخصهم.

الأهم من ذاك كله، توجيه المسلمين وخاصة الأطفال عبر المدارس والإعلام نحو ثقافة التعايش والقبول والمحبة والإنسانية، فهذا هو الجهاد الحقيقي.. والأصعب.

عن الكاتبة: دلع المفتي، كاتبة وأديبة كويتية تكتب عموداً أسبوعياً في جريدة القبس. اشتهرت بأسلوبها الممتع وقلمها الساخر، وعرفت بمناصرتها لحقوق المرأة والمهمشين وبمحاربة الفتن الطائفية عبر مقالاتها. نشر مقالاتها العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية المختلفة.
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق