الخميس، 22 ديسمبر 2016

العنف الأسري في المجتمعات العربية


بقلم وميض القصاب:

يعد العنف الأسري واحداً من أكثر الجرائم المسكوت عنها في العراق والشرق الأوسط. 

وتبذل مؤسسات المجتمع المدني في العراق جهودا مضنية للفت أنظار الحكومات إلى تنامي هذه الظاهرة، وذلك عبر حراك يهدف لحض الحكومات على تشريع قانون حماية الأسرة لتجريم العنف ضد المرأة والطفل، فهما الأكثر تعرضا للعنف حسب محاكم الأسرة في العراق التي تشير إلى أن النساء هن الضحايا في 90 في المئة من القضايا المستلمة.

ورغم الجهود المدنية القانونية والنسائية، لا تزال بعض القوى ترى أن هكذا قانون لا يتماشى مع أعراف المجتمع المحافظ وموروثه الاجتماعي، لتتجسد لدينا نقطة خلاف أزلية لصدام الشرائع مع الموروث القبلي.

فالعنف في مجتمعنا يستند في كثير من الأحيان إلى نص ديني لتبرير عنف الرجل لفرض القوامة والتربية. ومن يدافع عن العنف يقدم نصوصاً دينية تبرر استعمال الضرب كأحد وسائل التربية وتنظيم الأسرة. ويستند أيضاً إلى تفسير مفاده أن الضرب معناه اللغوي هو الهجر كوسيلة للضغط لحين حل النزاع العائلي، أو أنه ضرب رمزي بعصا بحجم السواك كمعنى نفسي، مستندين إلى نصوص تدعو للتراحم وحسن العشرة وتنهى عن الإيذاء الجسدي. كلا الخصمين يستشهدان بأدلة وروايات عن حسن أو سوء العشرة في التراث الإسلامي.

الواقع أن العنف الأسري منتشر في مجتمعاتنا. وجذوره تعود لهيكلية العائلة القبلية القديمة، التي تعتمد على هيمنة الذكر على مقدرات حياة المحيطين به وخصوصا الضعفاء، النساء والأطفال.

أشار رجال الدين في ورشة عقدت مؤخرا في محافظة كركوك إلى أن الأعراف الاجتماعية استغلت التفسير الديني لترسخ مفاهيمها. فالعائلة نموذج مصغر للقبيلة في مجتمعنا. وقائد القبيلة حريص على توزيع الأدوار فيها بما يضمن هيمنته على صنع القرار. ولأن القيادة ذكورية، فإن من المفيد أن يكون التفسير الأكثر انتشارا يعتمد على ترجمة تمنح السلطة والقوة بيد القائد، مقارنة بتأويل أقل انتشاراً يجعل القوامة والرأي أكثر مشاركة.

العنف يستمد شرعيته من الموروث. فهو حالة تكرارها مقبول والسكوت عنها من احترام الخصوصية. ولن تتدخل قوى القبيلة الأخرى سوى في حالات وقوع ضرر قد يسيء لشكل العائلة ومكانتها أمام أصهارها. والعنف كوسيلة مقبولة للتربية يجعل الجيل أكثر تقبلا للعنف. فالعنف يغير طريقة تعامل المخ مع المشاكل التي تواجهه، وتجعل مناطق المتعة والاستمتاع تختلف في تحفيزها عن المخ الأقل تعرضاً إلى العنف.

الطبيعة العنيفة جزء مهم في تشكيل شخصية الفرد. فالأم التي تتعرض للعنف لن تجد مانعاً في أن تنقل هذا العنف إلى الأطفال لفظيا أو جسديا. ولن تجد غضاضة في أن تطلب من أبنائها أن يتعاملوا بعنف مع زوجاتهم، وتخفف عن بناتها بالتقليل من أهمية تعرضهن للعنف. فالفكرة العامة أن العنف جزء من هويتنا الاجتماعية، طالما كان هناك شرعية له في العرف. من نحن لنجادلها؟

يميل الكثيرون إلى تعميم فكرة ارتباط العنف الديني بنشوء النزعة الإرهابية. لكن النظرة الفردية لكل حالة من معتنقي الإرهاب ستجعلنا نلمح مشاكل أسرية وتربوية تحركه نحو تقبل استعمال العنف كوسيلة للتعبير عن أفكاره. فمن يرى الموت والدمار حالة عامة يومية ويعاني الإساءة في حياته العامة والخاصة، سيكون أكثر قدرة على إعادة تصنيع هذا العنف. وأولئك الذين نشأوا في بيئة مسالمة فهناك جذور لتعرضهم للإساءة، كحالات التنمر ضد الأطفال من أصول مهاجرة أو فشل الاندماج بسبب تمزق الطفل بين ثقافة تُدين العنف في الخارج وثقافة القبيلة في المنزل المهاجرة مع والديه.

العنف في التربية يلغي الشعور بالرحمة ويزيد التلذذ بتعذيب الأخر. ونرى نزعات سادية لدى مرتكبي الجرائم المتسلسلة والإبادة تعود أصولها لتاريخ طفولة تشبّع بالإساءة والتعنيف.

تحديات مجتمعنا اليوم على أصعدة الأمن والاقتصاد تقول إن مشاكل التطرف والإرهاب لها جذور داخل مجتمعنا، و التربية لها دور في تقبل الآخر والتعايش. واحترام المرأة كجزء حيوي في الحياة يتطلب أن نحارب تهميشها والإساءة لها، ويجعل من تشريع قوانين لحمايتها وحماية أطفالها مهمة أساسية مثلها مثل مكافحة الإرهاب، وتأهيل مؤسسات لمعالجة قضايا الأسرة عبر ورش وعلاج نفسي وتربوي، ودفع النقاش حول شرعية نصوص العنف الأسري والوصول لتفسير موحد. ينبغي علينا تحقيق كل ذلك لو أردنا أن نبني مجتمعات تنبذ الإرهاب وتطرح نموذجاً مشرفاً لتراثنا.

عن الكاتب: وميض القصاب، كاتب وباحث عراقي. حاصل على شهادات دولية في مجال حل النزاعات وبناء السلام. له عدد من الكتابات المنشورة في مواقع مختلفة.
,

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق